2020/10/08 | 0 | 6305
التِّيه الْمَنْهَجِيَّ فِي إِثْبَاتِ الْقَضَايَا التَّارِيخِيَّةِ.. الشيخ السندي نموذجاً
تمهيد
استمعت لمحاضرة الشيخ حيدر السندي –هدانا الله وإياه لما فيه الخير والصلاح- التي عنونها بـ"الثبوت التاريخي لشخصية السيد رقية عليها السلام"، وكانت المحاضرة تستهدف إثبات وجود السيدة رقية بنت الإمام الحسين عليه السلام تاريخياً كما يظهر من عنوانها، ولكن بعد متابعتي لما طرحه فيها وجدته لم يتمكن من إثبات ذلك، بل وجدته وقع في العديد من الأخطاء المنهجية والمغالطات المنطقية التي ما كان ينبغي لمثله أن يقع فيها.
والغريب أن الشيخ السندي يعتبر ما قدمه في محاضرته من استدلالات وقرائن تفيد وجودها متيناً وتاماً، ولأجل ذلك نجده يهاجم من يتحفظون عليها ولا يثبون وجودها، رغم أنه تجاهل كل ملاحظاتهم ومؤاخذاتهم العلمية والموضوعية ولم يذكرها فضلاً عن أن يقوم بمناقشتها وحل إشكالاتها، حيث أنه بعد أن استعرض بعض القرائن الدالة على وجود السيد رقية بحسب رأيه قال: أن "مجموع هذه القرائن يفيد الاطمئنان العقلائي عند الإنسان الطبيعي الذي لم يصاب بمرض التشكيك، أو عنده مشكلة في حصول الاطمئنان أو حصول اليقين، هذا المقدار يكفي في إثبات أصل وجودها وفي اثبات ظلامتها"[1].
السيد جعفر مرتضى العاملي مصاب بمرض التشكيك
وعليه؛ يمكن اعتبار السيد جعفر مرتضى العاملي أحد المصابين بمرض التشكيك بحسب ما ذكره الشيخ السندي في عباراته السالفة الذكر، حيث أنه مر على القرائن التي أوردها الشيخ السندي في محاضرته وناقشها بل وردها، حيث يقول في كتابه سيرة الحسين في الحديث والتاريخ تحت عنوان (أولاد الحسين): "اختلفت أقوالهم في عدد أولاد الحسين "عليه السلام". ما بين خمسة، أو ستة، أو سبعة، أو تسعة، أو عشرة. ولا نريد أن ندخل في تحقيق ذلك، فإن الوصول إلى نتائج حاسمة في مثل هذه الأمور متعسر، أو متعذر"[2].
ولم يكتفِ سيد جعفر مرتضى بذلك فحسب، بل شكك في وجود السيد رقية، حيث أنه جعل عنوان الفصل السادس بـصيغة الاستفهام المصحوب بعلامة تعجب بقوله متسائلاً: (أهي رقية بنت الحسين؟!) ثم نفى ذلك فيما كتبه قائلاً: "أولاً: رقية ليست من بنات الإمام الحسين عليه السلام: إن أكثر المصادر لا تذكر للإمام الحسين "عليه السلام" بنتاً باسم رقية، بل تذكر سكينة وفاطمة. ويضيف البعض بنتاً اسمها زينب. وبعضهم أضاف بنتاً رابعة، ولكنه سمى منهن ثلاث بنات، ولم يسم هذه الرابعة. الأمر الذي يشير إلى أن كلمة "أربع" كانت من سهو القلم.. وأن الصحيح هو كلمة ثلاث بدل أربع"[3].
الري شهري في كتابه الصحيح من سيرة سيد الشهداء
كذلك يمكن القول أن كلام الشيخ السندي ينطبق على الشيخ الري شهري أيضاً، ليس لأنه ينفي وجود السيد رقية كما هو حال السيد جعفر مرتضى العاملي، بل لأنه لا يرى ذلك معتبراً بحسب الأدلة المقامة لذلك، إذ يقول: "لم تذكر المصادر القديمة والمعتبرة التي أحصت أولاد الإمام الحسين (ع) بنتاً للإمام اسمها رقية، بل ذكرت ابنتين له تُدعيان فاطمة وسكينة، وذكر بعضٌ منها بنتاً ثالثة اسمها زينب، وحتى العلامة المجلسي في بحار الأنوار والمحدث الجليل المعاصر الشيخ عباس القمّي في مؤلفاته لم يشيرا إلى اسم رقية باعتبارها ابنة للإمام (ع)"[4].
وللأسف الشديد أن الشيخ السندي، وبدلاً من مناقشة الأمور التي استند إليها هؤلاء وغيرهم لعدم الاطمئنان لوجود السيد رقية قفز عليها وتجاهلها تجاهلاً تاماً في محاضرته، وذهب لإثبات ذلك لجمع قرائن غير تامة ولا تسلم من الاضطراب والتهافت كما سوف يأتي لاحقاً.
السيد رقية لا وجود لها في المصادر التاريخية القديمة
استند العديد من الباحثين لعدم اعتبار وجود السيد رقية بن الإمام الحسين عليه السلام على العديد من المصادر المتقدمة، والتي اهتمت بالتاريخ والأنساب، حيث أن هذه الكتب لم تذكر أن له بنتاً اسمها رقية، وسوف أنقل نماذج مما راجعته بنفسي في بعض هذه المصادر في التالي:
الكاتب البغدادي (ت322 هـ) تاريخ الأئمة يقول: "ولد للحسين بن علي عليهما السلام على الأكبر الشهيد مع أبيه وعلى سيد العابدين ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه ع وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة"[5].
محمد بن همام الاسكافي (ت336هـ) في كتابه (منتخب الانوار في تاريخ الأئمة الأطهار (ع) يقول: "وبنات الحسين بن عليّ عليهما السلام: زينب ، وسكينة وفاطمة عليهنّ السلام "[6].
حسين بن حمدان الخصيبي (ت 358 هـ) في الهداية الكبرى: "وَالَّذِي كَانَ لَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ وَ هُوَ الْأَكْبَرُ وَ عَلِيٌّ الْأَصْغَرُ وَ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِهِ وَ عَبْدُ اللَّهِ وَ هُوَ الطِّفْلُ الْمَذْبُوحُ بِالنُّشَّابَةِ وَ مُحَمَّدٌ وَ جَعْفَرٌ وَ مِنَ الْبَنَاتِ زَيْنَبُ وَ سُكَيْنَةُ وَ فَاطِمَةُ"[7].
الشيخ المفيد (ت413 هـ) في الإرشاد تحت عنوان (ذكر ولدِ الحسينِ بنِ عليٍّ عليهما السّلامُ) وبعد أن ينتهي من ذكر الذكور ينتقل للإناث قائلاً: "وسُكَيْنَةُ بنتُ الحسينِ ، وأمها الرَّبابُ بنتُ امرئ القيسِ بنِ عديٍّ ، كلبيّةٌ ، وهي أُمُّ عبداللهِ بنِ الحسينِ. وفاطمةُ بنتُ الحسينِ ، وأمُّها أُمُّ إِسحاقَ بنتُ طلحةَ بن عُبيدِاللهِّ ، تيميٌةُ"[8].
محمد بن جرير الطبري الصغير المتوفى في (القرن الخامس) في دلائل الامامة: "... وله من البنات: زينب وسكينة وفاطمة"[9].
علي بن أبي الغنائم العمري المتوفى في (القرن الخامس الهجري) المجدي في أنساب الطالبين: "وولد الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: عليا الأكبر ، وجعفرا ، وعليا الأصغر ، وعبد الله ، وفاطمة ، وسكينة"[10].
الشيخ الطبرسي (ت 548هـ ) في كتابه اعلام الورى بأعلام الهدى: في ذكر عدد أولاد الحسين عليهم السلام بعد أن يعدد الذكور يقول: "وسكينة بنت الحسين ، واُمّها الرباب بنت امرئ القيس بن عديّ بن أوس ، وهي اُمّ عبدالله بن الحسين . وفاطمة بنت الحسين ، واُمها اُمّ إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله تيميّة"[11].
عبد الله بن النصر ابن الخشاب البغدادي (ت 567 ه) في كتابه تاريخ مواليد الأئمة: "ولد له ستة بنين وثلاث بنات: على الاكبر الشهيد مع ابيه وعلى الامام سيد العابدين وعلى الاصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع ابيه و جعفر وزينب وسكينة وفاطمة"[12].
بن شهرآشوب (ت 588 هـ) في كتابه المناقب: "وبناته: سكينة أمها رباب بنت امرئ القيس الكندية ، وفاطمة أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله ، وزينب"[13].
مع الشيخ السندي في "إثبات وجود السيدة رقية تاريخياً"
سوف استعرض ما جاء في محاضرته، وأناقشه فيها ضمن النقاط التالية:
1) محاور للتبرير أو للإثبات التاريخي
ذكر الشيخ السندي أنه "في مقام الحديث عن أصل ثبوت شخصية السيدة رقية عليها السلام وكيفية شهادتها" سوف يتحدث في ثلاث محاور[14]:
المحور الأول: في بيان الطريق المعتبر في أصل وجودها عليها السلام وكيفية شهادتها.
المحور الثاني: المنهج التاريخي في اثبات القضايا التاريخية.
المحور الثالث: في بيان الغرض الذي من أجله ينقل الخطباء مصيبة السيد رقية صلوات الله.
وقبل أن اتطرق للحديث عن استدلالاته أذكر بعض الملاحظات العامة على محاوره الثلاث في التالي:
ما ذكره الشيخ السندي من محاور تأتي في إطار محاولته للإثبات، ولا دخل لها بالثبوت، فهناك فرق بين مقام الإثبات ومقام الثبوت كما بحث ذلك في محله، فلو أطلق على محاضرته اسم (الإثبات التاريخي) لكان أنسب من اسم (الثبوت التاريخي).
أن الشيخ السندي لم يرتب محاوره وفق تسلسل منطقي سليم، إذ كان من المفترض به أن يبدأ بالمحور الثاني وهو "بيان المنهج التاريخي في إثبات القضايا التاريخية" ليؤسس من خلاله بعض الأسس التي ينطلق منها لبيان الطريق المعتبر لإثبات أصل وجودها، كما جاء في المحور الأول الذي بدأ به محاضرته.
أن الشيخ السندي لم يُبين لنا ملامح ما عبر عنه بـ "الطريق المعتبر" لإثبات وجودها وشهادتها، فهو معتبر على أي منهج؟ وعند من؟ أقول هذا لأن هناك العديد من الاختلافات في الاتجاهات بين العلماء أنفسهم في اعتبار أو عدم اعتبار بعض المرويات التاريخية وغيرها.
أن الشيخ السندي خلط ودمج في المحور الأول بين أمرين وهما: أصل وجودها عليها السلام وكيفية شهادتها، وكان من الأولى به أن يفصل بين الأمرين، لأن إثبات أصل وجودها لا يثبت رواية كيفية استشهادها.
عنون الشيخ السندي المحور الثالث بـ"بيان الغرض الذي من اجله ينقل الخطباء مصيبة السيد رقية"، وهذا لا دخل له نهائياً بمسألة إثبات أصل وجودها التاريخي، فمهما كان الهدف الذي يهدف له الخطباء من ذلك، فإن هذا لا دخل له بإثبات المسألة تاريخياً لا من قريب ولا من بعيد.
2) طريق معتبر أم تمنيات غير معتبرة
مهد الشيخ السندي ما أسماه بالطريق المعتبر لإثبات وجود السيد رقية عليها السلام قائلاً أن: "مقتل الحسين حدث خطير جداً، يشكل انعطافه كبيرة في تاريخ الأمة الإسلامية، وهذا يقتضي أن يهتم المؤرخون بتسجيل أحداث المقتل الشريف، وفعلاً هذا الذي وقع، فلقد اهتم الباحثون اهتماماً بالغاً في نقل تفاصيل شهادة الحسين صلوات الله وسلامه عليه"[15].
ثم ذهب إلى القول: أن نقل المقتل تحقق بشكلين وهما:
الأول: النقل الكتابي: حيث أن "جملة من الباحثين كتبوا كتب في مقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه... ويعود بعضها إلى القرن الثاني ولكن هذه الكتب لم تصل إلينا". وواصل كلامه إلى أن قال: " هناك كتب كثيرة وكثير من هذه الكتب لم يصل إلينا لأسباب يعرفها المؤرخون... إلا أن هذه الكتب وإن ضاعت يبقى لها أثر، وهي أن هذه الكتب بسبب غزارتها وأهمية الحدث الذي تعرضت له سيكون لها –وهذا ما تقتضيه طبيعة الأمور- تأثير عام على ثقافة الناس بمقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه. ستكون هناك ثقافة عند العلماء، عند عامة الناس ترتبط بأحداث مقتل الحسين عليه السلام"[16].
النقل الشفهي: يقول: "كثير من أحداث الإمام الحسين لم تنقل في الكتب وإنما تناقلها الناس شفهياً، أو بعبارة أدق لم تصل إلينا كتبياً، وإنما وصلت إلينا شفهياً... فكثير من أحداث مقتل الحسين صلوات الله وسلامه عليه إما نقلت إلينا شفهياً ولم تدون في كتب، أو هي كانت مدونة في كتب، وهذه الكتب قبل القرن العاشر الهجري .. تعود إلى قرون متقدمة، ولكن ضاعت تلك الكتب ولكن بقي النقل الشفهي إلى يوم الناس هذا"[17].
المناقشة
لا يمكن الاعتماد على أهمية مقتل الإمام الحسين عليه السلام كحدث تاريخي كبير لإثبات مسألة وجود السيدة رقية تاريخياً، فحتى لو اهتم المؤرخون بتسجيل المقتل بتفاصيله، فإن القول أن ذلك انعكس على ثقافة الناس الشفهية العامة بخصوص (السيد رقية ووجودها) نتيجة لوجود ذلك في كتب لم تصل إلينا لا يمكن الذهاب إليه، فهذا مجرد فرضيات لا أكثر، علماً أن هذه الفرضية ذاتها يمكن أن يتذرع بها حتى المخالفون القائلون بعدم اعتبار وجودها التاريخي، فيقولون مثلاً: بما أن الحدث كبير ومهم فلو كان موجوداً في الواقع لوصلنا كتابياً لاهتمام المصنفون به، فحتى لو فقدت العديد من الكتب القديمة، فإن هناك بعض الأحداث الأخرى نقلت في كتب لاحقة، فلماذا لم تنقل هذه القضية شأنها كشأن غيرها !! فما بالك لو وجدنا نصوص لبعض العلماء في مؤلفاتهم يُفهم منها عدم وجودها في عداد أولاد الإمام الحسين عليه السلام وليس السكوت عنها فقط، فهل الثقافة الشفهية وصلت إلينا ولكنها لم تصل إلى العلماء المتقدمون الذين لم يذكروها في عداد أولاد الحسين عليه السلام رغم شهرة حادثة وفاتها في زماننا هذا؟! وهل يمكن الاعتماد على شهرة ذلك في زماننا للقول بشهرته في تلك الأزمنة؟! مع أن العديد من المتقدمين استعملوا عبارة المشهور أو الأشهر عند تطرقهم لذكر أولاد الحسين عليه السلام ومع ذلك لم يذكروها!!
ما ذكره الشيخ السندي حول تكوين ثقافة شفهية حول الإمام الحسين عليه السلام ومقتله نظراً لأهمية هذا الحدث، وإن كان في مجمله صحيحاً بشكل عام، إلا أننا لا يمكننا المراهنة عليه بحد ذاته، لأن الثقافة الشفهية المتكونة لن تكون معصومة من وقوع التحريفات بالزيادة أو النقصان نتيجة للكذب أو التوهم أو أي شيء من هذا القبيل، ولذا فنحن بحاجة إلى دليل خاص يمكن الاعتماد عليه لإثبات وجودها التاريخي، لأن إيكال الأمر للثقافة الشفهية العامة المتوارثة لدى عموم الناس من دون بيان ضوابط منطقية مبنية على أسس عقلائية -وليس عاطفية (تمنيات)- يمكن من خلالها التمييز بين الثقافة الشفهية الصحيحة من غيرها مجانب للصواب، فمن غير الصحيح الاعتماد على أي نقل شفهي فقط لأنه يوافق توجهاتنا وتمنياتنا، فهذا لا يعد دليلاً، بل مغالطة منطقية، إذ ليس من المنطقي القول: أن (وجود السيدة رقية ثابت تاريخياً) والدليل (أنها منقولة شفهياً في ثقافة الناس العامة في زماننا هذا أو أنها كتبت في كتبت ولكن هذه الكتب لم تصل إلينا)!! فهذا الكلام لا يمكن له أن يثبت المطلوب[18].
3) نتيجة عامة لا علاقة لها بوجود السيدة رقية
يواصل الشيخ السندي حديثه السابق ويصل إلى نتيجة وهي: "من هنا من الخطأ المنهجي في الاعتماد التاريخي أن يقال أي قضية تنقل على المنبر، ولا توجد في كتاب مكتوب قبل القرن العاشر الهجري هي موضوعة أو مكذوبة أو منتحلة. هذا من الخطأ لأن فيه اغفال للنقل الشفهي وللثقافة العامة التي تكونت من خلال الكتب والمصنفات التي ضاعت. فإنه من المحتمل قوياً أن تكون بعض الأحداث التي لا وجود لها في الكتب التي وصلت إلينا هي منقولة شفهياً لكنها موجودة في كتب تلفت، فلا ينبغي التسرع في الإنكار والتكذيب"[19].
المناقشة
§ إن محل النزاع هو "إثبات وجود السيدة رقية وكيفية شهادتها تاريخاً" وليس الوصول إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكن إثبات كونها مكذوبة أو منتحلة!! فالكلام هو في كونها ثابتة تاريخاً وليس في كونها لم يثبت أنها مكذوبة، لأنه إذا لم يثبت كذبها فإنه لم يثبت تحققها واقعاً، فهذا بحاجة لدليل أيضاً، فلا ملازمة بين كونها غير مكذوبة وكونها ثابتة ومعتبرة تاريخياً.
§ وعليه، فلا علاقة لهذا الكلام بمسألة (الثبوت التاريخي للسيدة رقية عليها السلام)، نظراً لكونه مجرد كلام عام لا يثبت هذه المسألة، ولا يمكن الاستناد هنا لمجرد الاحتمال فقط كما فعل الشيخ السندي من القول أن بعض الأحداث التي لا وجود لها في الكتب ثابتة تاريخاً، لأنها وصلت إلينا شفهياً، فهذا لا يعد إثباتاً، بل هو مجرد فرضية أو احتمال، وكما يوجد هذا الاحتمال يوجد غيره من الاحتمالات الأخرى أيضاً، والسؤال هنا: كيف نرجح بين هذه الاحتمالات؟ وعلى أي أساس وضابط؟ لأن مجرد الاحتمال لا يبرر انتقاء وترجيح أحدها بلا مرجح حتى وإن كان يناسب ميولنا وعواطفنا الشخصية !!.
4) مصادر مضطربة لا تثبت المطلوب:
يواصل المتحدث حديث بالقول: "السيدة رقية ليس خبرها منقول شفهياً فقط، بل خبرها علاوة على ذلك موجود في كتب تاريخية معتبرة ألفت قبل القرن العاشر الهجري، تعود إلى القرن السابع، السادس، الرابع... وانقل لك بعض ما وقفنا عليه في اثبات أصل وجود السيدة رقية وإثبات أصل شهادتها". ثم يستشهد بمصدرين:
المصدر الأول: ابن فندق في لباب الأنساب
يقول الشيخ السندي: "قد نص صاحب كتاب لباب الأنساب، وهو ابن فندق من علماء الأنساب في القرن السادس الهجري، نص على أن للإمام الحسين صلوات الله عليه بنت يقال لها: رقية.
والسيد المرعشي رحمه الله عليه النسابة الكبير والعالم الفقيه الجليل المرجع المعروف له مدح وثناء لكتاب لباب الأنساب بقوله: "هو أهم ما كتب في علم الأنساب وأجداها وأنفعها وجمع فيه المؤلف فوائد لا توجد في غيره". إذاً يوجد عالم متثبت من القرن السادس نص على وجود رقية صلوات الله وسلامه عليها"[20].
المناقشة
§ لم يوضح الشيخ السندي المعيار الذي يتبعه في اعتبار الكتاب من عدم اعتباره هذا أولاً، فمنهجه غير واضح هنا، ولذا كان عليه أن يبين لنا أولاً: كيفية اعتبار الكتاب وفق المنهج الذي يتبناه، وثانياً: اعتبار الرواية أو القضية المنقولة المراد إثباتها تاريخياً على وجه الخصوص، ولكنه قفز على ذلك كله وأراح نفسه منه، واكتفى فقط بالدعاوى ونقل فقط كلمات بعض الأعلام التي لا يمكن الاستفادة منها لإثبات اعتبار الرواية.
§ يلاحظ أن الشيخ السندي لم ينقل ما ذكره ابن فندق في كتابه لإثبات وجود السيدة رقية، وإنما ادعى فقط أنه يثبت وجودها في كتابه دون أن ينقل النص بذاته، وبدلاً من ذلك ذكر كلام السد المرعشي النجفي في حق الكتاب، وهذا غير صحيح، لأن العديد من القائلين بعدم اعتبار هذه المسألة غير غافلين عما ذكره ابن فندق، ولكنهم يناقشون ما نقله ولا يرون اعتباره، نظراً لاضطرابه وعدم خلوه من التهافت والضعف.
مناقشة السيد جعفر مرتضى العاملي لابن فندق
يقول السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه سيرة الحسين في التاريخ والحديث تحت عنوان (تناقضات ابن فندق): "ويلاحظ: أنه لم يذكر (يقصد ابن فندق) بين هؤلاء اسم رقية، بل ذكره في موضع آخر بعد بضع صفحات، فقال: لم يبق من أولاده إلا زين العابدين "عليه السلام"، وفاطمة، وسكينة ورقية. ونقول: لا يمكن الاعتماد على كلام ابن فندق:
o أولاً: لوجود تناقض ظاهر في كلامه "رحمه الله" فهو تارة يذكر رقية في أولاد الإمام الحسين "عليه السلام" وأخرى لا يذكرها. فأي كلاميه يمكن الأخذ به والاعتماد عليه؟! وقد ذكر ذلك في كتاب واحد، ولكن في موضعين. إلا إن كانت رقية لقباً لواحدة من اثنتين: زينب، وأم كلثوم، فقد صرح ابن فندق نفسه بأنهما ماتتا صغيرتين، أو يكون حصل تصحيف لزينب برقية مثلاً.
o ثانياً: لو أغضينا عن هذه المفارقة، فإن ذكر رقية في جملة أولاد الإمام الحسين "عليه السلام" لا يدل على أن المدفونة قرب جامع بني أمية في دمشق هي رقية بنت الحسين، ولا يصحح الرواية التي ذكروها في كيفية وفاة رقية... [21].
ويرد على من يدعي أن رقية هي نفسها أم كلثوم بقوله: "وقد يدعى: أن رقية هي أم كلثوم. ولكننا نقول: لقد صرح ابن فندق: بأن أم كلثوم هي بنت شهربانو بنت يزدجرد. وبأنها ماتت صغيرة. كما، وصرح أيضاً: بأن شهربانو هي أم علي الأصغر، ولعله يريد به الإمام السجاد "عليه السلام"، حيث يقال: إن أمه هي بنت يزدجرد، واسمها شهربانو، فراجع. ويؤكد ذلك: قول بعضهم: بأن شهربانو قد توفيت في نفاسها بالإمام السجاد "عليه السلام". فإذا كانت رقية هي بنت شهربانو، فتكون قد ولدت قبل السجاد، وماتت صغيرة بعد موت أمها بيسير. وقد ماتت أمها سنة 28 هجرية، وكربلاء كانت سنة 61 هجرية"[22].
مناقشة الري شهري لابن فندق:
يقول الري شهري: "وفي حدود ما تدل عليه دراستنا فإن الشخص الوحيد الذي ذكر للإمام الحسين (ع) أسماء أربع بنات هو النسابة المعروف في القرن السادس ابن فندق البيهقي (ت 565 ه)، حيث أورد في لباب الأنساب أسماء بناته كالتالي:
1- فاطمة، أمها أم إسحاق بنت طلحة.
2- سكينة، أمها الرباب بنت امرئ القيس بن عدي.
3- زينب - ماتت صغيرة - أمها شهربانو بنت يزدجرد.
4- اُم كلثوم - ماتت صغيرة - أمها شهربانو بنت يزدجرد.
وكما نلاحظ فإنه لم يذكر رقية خلال إحصائه لبنات الإمام (ع)، رغم أنه ذكر أنّ عددهن يبلغ أربعاً، ولكنه يكتب في بيانه للأولاد الذين تبقوا من ذرية الإمام قائلاً : ولم يبق من أولاده - يعني الحسين (ع) - إلا زين العابدين (ع) وفاطمة وسكينة رقية"[23].
ويرد على من يقول باحتمال أن تكون رقية هي نفسها أم كلثوم بالقول أن: "هذا الاحتمال لا ينسجم مع جملة (ولم يبق من أولاده ...)؛ ذلك لأن هذه العبارة تشعر بأن رقية عاشت لسنوات طويلة بعد حادثة كربلاء والأسر إلى الشام، مثل فاطمة وسكينة. إلّا إذا قلنا: إنه يقصد المتبقين بعد يوم عاشوراء"[24].
السيد المرعشي والسيدة رقية
كذلك إن ما ذكره السيد المرعشي في الثناء على كتاب ابن فندق في تقريضه للكتاب لا يمكن الاستناد له لإثبات هذه القضية بالخصوص، حيث قال: "ومن أهم ما ألف في هذا الشأن وأجداها وأنفعها هو كتاب لباب الانساب والألقاب والأعقاب للعلامة في جل العلوم الشيخ حجة الدين أبو الحسن علي بن أبي القاسم البيهقي المتوفي سنة خمس وستين وخمسائة (565) هـ ق فإنه جمع واوى فيه فوائد لا توجد في غيره، وهي منحصرة به، فلله دره وعليه أجره". ويلاحظ في هذا النص أن كلام المرعشي النجفي السابق هو لبيان قيمة الكتاب، وليس لبيان اعتبار رواية السيد رقية وثبوتها تاريخياً، لأن اعتبار الكتاب لا يعني اعتبار الرواية كما هو معروف.
§ والأمر الآخر، في المقدمة نفسها كتب المرعشي النجفي ترجمة لأسماء مئتي رجل من علماء الأنساب، حيث يقول: "واعلم أني لإثبات جلالة هذا العلم أقدم في الكتاب من أول القرن الأول إلى القرن الخامس عشر أسماء مائتي رجل من مشاهير علماء هذا العلم وفطاحلهم مزياً للاهتمام، مع رعاية الاختصار". ومن يراجع كلماته يلاحظ أنه أثنى عليهم، فهل يعني ذلك أنه يوثق جميع الروايات التي نُقلت عن طريقهم فقط لثنائه عليهم!!
أيضاً نلاحظ أن السيد المرعشي أثنى في مقدمة بعض الكتب التي نشرها على بعض المؤلفين والمؤلفات، رغم أن هؤلاء لم يذكروا السيدة رقية في عداد أولاد الإمام الحسين عليه السلام، ومنهم كتاب (تاريخ الأئمة) للبغدادي) الذي لم يذكر السيدة رقية في عداد أولاد الإمام الحسين عليه السلام، ومع ذلك كتب المرعشي في مقدمة الكتاب: "يقول العبد المستكين خادم علوم أهل البيت عليهم السلام اللائذ بأفنيتهم والمنيخ مطيته بأبوابهم أبو المعالي شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي أذاقه الله حلاوة ذكره ومناجاته. هذه مجموعة نفيسة حاوية للزبر والاسفار في مواليد الأئمة الأطهار ع ووفياتهم جمعتها بين الدفتين وبعضها لم ينشر بعد رجاء لان يستفيد منها المستفيدون من إخواني الاعلام والأفاضل والمشتغلين"[25]. كذلك نجده في تقديمه لكتاب المجدي في أنساب الطالبيين، للعمري: "وذكرنا هناك أنّ من أجلّة علماء هذا العلم ها هو الشريف العمري ، وكتابه المجدي من المستندات المشهورة بين علمائنا ، اعتمدوا عليه واستندوا إليه مع قلّة نسخه المخطوطة بحيث لم يزرها إلاّ القليل"[26].
وعليه؛ لا يصح الاعتماد على ما ذكره السيد المرعشي النجفي في الثناء على ابن فندق وكتابه لإثبات وجود السيد رقية تاريخياً، كما لا يصح أيضاً الاعتماد على ما ذكره المرعشي في الثناء على الكتابين الذين ذكرناهما لنفي اعتبار هذه المسألة أيضاً.
المصدر الثاني: كتاب (كمال البهائي)
استشهد الشيخ السندي بكتاب (كمال البهائي) وهو من أعلام القرن السابع كما يقول، حيث أنه نقل عن كتاب الحاوية أنه قال: "قال: كان نساء بني هاشم بعد مقتل الحسين وأصحابه أخفوا خبر شهادة أهل البيت ومن نصرهم في يوم عاشوراء عن الأطفال، لم يخبروهم بمقتل الرجال، وإنما قالوا لهم هم في سفر، طبعاً يقصودون سفر الآخرة، إلى أن وصلوا إلى الشام وأرسل يزيد رأس الحسين صلوات الله وسلامه عليه إلى ابنته رقية، فعلمت بشهادته وتوفيت على رأسه". فهو نقل وجود رقية وبين أيضاً كيفية شهادتها..".
ويضيف قائلاً: "يقول الشيخ القمي رحمة الله عليه في مؤلف كتاب كمال البهائي يقول: في منتهى الآمال العالم الجليل المعاصر للعلامة والمحقق... . فهو عالم جليل ثبت وقد نقل قضية رقية صلوات الله وسلامه عليها "[27].
المناقشة
للاستدلال على الوجود التاريخي للسيدة رقية ادعى الشيخ السندي أن صاحب الكتاب نقل قضية السيدة رقية، ولكنه لم ينقل النص من الكتاب، ولو نقله لاتضح أن صاحب الكتاب لم يذكر اسم السيدة رقية في نصه، وللأسف أن الشيخ السندي لم يشير لذلك نهائياً[28]، وفي هذا إيهام للناس أن الاسم موجود في الكتاب، وفيما يلي ننقل النص كاملاً من الكتاب:
a. يقول في الكتاب: "وجاء في الحاوية أن النساء يتسترن على ما جرى في كربلاء من قتل الرجال والشباب على البنات والولدان، ويعدن الأطفال الصغار بعودة آبائه من هذا السفر إلى أن أدخلوهن بيبت يزيد لعنة لله وكان معهن بنية لها من العمر أربع سنوات، انتبهت من نومها وصرخت تريد أباها الحسين (عليه السلام)، لقد كان معي الساعة وأنا نائمة، فثارت للنساء والأولاد ضجة وصيحة، وكان يزيد لعنه الله يغط في نومه العميق فانتبهه بإنزعاج وسأل: ما الخبر؟ فأخبروه بما جرى، فقال: خذا لها رأس أبيها، فحملوه إليها ووضعوه بين يديها، فسألتهم: ما هذا؟ فقال لها اللعناء: هذا رأس أبيك، فصرخت الطفلة مرعوبة واستولى عليها الرعب الشديد حتى مرضت وبقيت من بعده أياما ثم ماتت وأسلمت الروح إلى ربها"[29].
تجاهل الشيخ السندي المآخذ الموجودة على الكتاب في خصوص إثبات وجود السيدة رقية، ولم يناقشها نهائياً، والتي سوف نستعرض بعضها في التالي:
مناقشة الشيخ الري شهري لرواية ( كمال البهائي)
يقول الشيخ الري شهري: "وهذا النص يختلف في بعض الجهات عما اشتهر بشأن وفاة السيدة رقية ؛ ذلك لأن اسم البنت لم يحدد في هذا النص، وذكر أن عمرها كان أربع سنوات لا ثلاث، واعتبر موضع وفاتها بيت يزيد لا الخربة، وذكر أن وفاتها كانت بعد بضعة أيام من رؤية رأس الإمام الحسين (ع) لا عند رؤيته"[30].
مناقشة السيد جعفر مرتضى العاملي للرواية
يقول السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه سيرة الحسين في الحديث والتاريخ: "إن الناقلين لحديث رقية مع الرأس الشريف، باستثناء العماد الطبري صاحب كتاب "كامل بهائي" هم من المتأخرين الذين عاشوا وماتوا بعد الألف.. بل إن عدداً منهم قد عاش في هذه المئة سنة الأخيرة. وبالرغم من أنهم يروون لنا حادثة واحدة، فإن روايتهم لها لم تأت على نسق واحد. بل اختلفت بصورة واضحة وفاضحة، بحيث أصبحت غير قابلة للإعتماد".
ويردف قائلاً: "وسنذكر هنا بعض المؤاخذات، وبعض المبعدات التي لا تصل إلى حد المؤاخذة الصريحة، فنقول[31]:
1- اختلفت رواياتهم لهذه القصة بنحو لافت، فنلاحظ ما يلي:
a. ألف: إن رواية عماد الدين الطبري ذكرت أن عمر الطفلة كان أربع سنوات لا ثلاثاً.
b. ب: كما أنها لم تذكر أن اسم الطفلة هو رقية.
c. ج: وذكرت: أنها ماتت بعد بضعة أيام، لا في نفس الساعة.
d. د. وفيها: أنها ماتت في بيت يزيد، لا في الخربة (موضع، مجلس، منزل، محبس، سكن) التي جعل يزيد السبايا فيها، بحيث لا تكنهم من حر ولا برد.
2- ذكرت الرواية: أن الطاقية يزيد قد سمع صيحة وبكاء عائلة الحسين "عليه السلام" في تلك الليلة، لأن منزله كان ملاصقاً للخربة.. ولست أدري إن كان يصح قولهم: إن قصر الخليفة كان ملاصقاً لخربة لا تكن من حر ولا برد، مع أن قصره وما يحيط به يكون في مرأى ومسمع من الوفود، فإنه قصر الخلافة، وموضع إظهار الشوكة والعنجهية، وكيف لا يستحي أولئك الجبابرة من هذا الأمر؟! وهذا بتقديري من الخذلان الإلهي لهم.
واللافت هنا: أن الخربة !! كانت قريبة من المخدع الذي ينام فيه الخليفة إلى حد أن الخليفة يسمع بكاء الموجودين فيها !!..
3- ما معنى سؤال تلك الطفلة عن ذلك الرأس، ألم تكن تعرف أباها؟! وإن كانت قد عرفته بعد التأمل به، ولم تسأل عنه، فأي الروايتين نصدق؟!
بل ألم تكن تلك الطفلة ترى الرأس الشريف وهم في الطريق، لا سيما وأنهم كانوا يسيرون بالرؤوس الشريفة بين المحامل، وهي مشالة فوق الرماح، كما نصت عليه الروايات؟!
وحين دخلوا مدينة دمشق أعطى سهل بن سعد الساعدي حامل الرأس الشريف شيئاً من المال لكي يبعده عن النساء؛ ليشتغل الناس بالنظر إليه دونهن، فأعطاه أربع مئة دينا كما يقال. فكيف لم تر تلك الطفلة رأس أبيها، طيلة تلك الأيام، وهو بمرأى منها ومسمع. إلا في الخربة؟! وهل كان يمكن للنساء منع الأطفال من النظر إلى ما حولهم؟! ألم يكن جيش يزيد قد كشفهم ليراهم القريب والبعيد؟!
4- ألم يكن الأطفال، ورقية منهم ومعهم، يسمعون ندب النساء في مجلس يزيد للحسين "عليه السلام"، ويذكرونه باسمه، وتسمع تلك الطفلة تصريحات الناس من حولها بقتل أبيها "عليه السلام"؟!
فكيف خفي عليها وعلى سائر الأطفال قتل الإمام الحسين ومن معه من سائر الرجال، والحال هذه؟!
لا سيما وأنها بهذه الفصاحة والبلاغة والوعي الكبير، والذكاء الخارق الذي ظهر في ندبها لأبيها.
5- والأهم من ذلك: أن ما ندبت به الطفلة أباها قد أظهر أنها كانت تعرف أن النساء مسبيات، وأنهن غريبات وضائعات.
6- ذكرت الرواية التي ذكرها الطريحي: أن السيدة زينب قد خطبت في تلك اللحظة خطبتها المعروفة التي تخاطب فيها يزيد بذلك الخطاب العظيم، مع أنها إما خطبت بها في مجلس يزيد وبحضوره، حينما أدخل السبايا عليه، والرأس الشريف أمامه، وهو ينكث ثناياه الشريفة بمخصرته.
وكل ذلك قد جرى جهاراً نهاراً"[32].
الشيخ القمي وكتاب (كامل البهائي)
§ من الملاحظ أن الشيخ السندي عندما استشهد بكتاب ابن فندق ذكر ما ذكره المرعشي النجفي في تقديمه للكتاب، ولكن عندما ذكر كتاب كامل البهائي لم يذكر كلام محققه السيد محمد شعاع فاخر في المقدمة !! وهذا يدل على الانتقائية التي يمارسها.
§ راجعت بعض كتب للشيخ القمي ولاحظت أنه لم يذكر اسم السيدة رقية في عداد أولاد الإمام الحسين عليه السلام فيها، بل اعتمد على كلام الشيخ المفيد وغيره من المصادر القديمة التي لم تذكر أن له بنتاً اسمها رقية، وذلك في كتاب (نفس المهموم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم)[33]، وكتاب (منتهى الآمال)[34]. علماً أن الكلام الذي ذكرناه حول كلام السيد المرعشي النجفي ينطبق على كلام الشيخ عباس القمي، فلا حاجة للإعادة.
5) مقدمات لا تنتج نتيجة ولا إثبات
يقول الشيخ السندي: "وعليه أصل وجود السيدة رقية مما لا ينبغي الشك فيه، لأنه نُص عليه في كتب المتقدمين وتوجد قرائن تؤيد هذا المعنى تفيد الاطمئنان، مثلاً كون صاحب الحاوية سني، هذا من القرائن التي تنضم إلى أصل النقل وترفع من قيمة احتمال ثبوت المنقول...كون خبر وجود السيدة رقية وخبر استشهادها مشهور بين الشيعة متداول بين العلماء وبين العوام، ظهور الكرامات وقضاء الحوائج.."[35].
إلى أن يقول: "المنقول كثيراً من القرائن مجموع هذه القرائن يفيد الاطمئنان العقلائي عند الإنسان الطبيعي الذي لم يصاب بمرض التشكيك، أو عنده مشكلة في حصول الاطمئنان أو حصول اليقين، هذا المقدار يكفي في إثبات أصل وجودها (من هؤلاء علماء) وفي اثبات ظلامتها"[36].
المناقشة
§ إن جميع ما ذكرناه في مناقشتنا لما طرحه الشيخ السندي في محاضرته بخصوص الإثبات التاريخي لوجود السيدة رقية وشهادتها، لا يفضي لهذه النتيجة التي أراد أن يصل إليها، فجميع ما ذكره من استشهادات وقرائن لا تسلم من النقد، نظراً لاضطرابها وتهافتها وعدم صمودها أمام النقد العلمي.
كلمة الختام
اكفتي بما أوردته من نقاط لمناقشة الشيخ حيدر السندي في محاضرته المعنون بـ"الثبوت التاريخي لوجود السيدة رقية عليها السلام"، وإن كان يوجد لدي غيرها، ولكن أعتقد أن ما قدمته يكفي لإثبات ضعف ما ذكره فيها، علماً بأني لا أزعم بل ولا أريد نفي وجود السيد رقية تاريخياً، ولكني أعتقد أن الشيخ السندي لم يوفق في تقديم استدلالات قوية وناهضة وإن ادعى ذلك.
جديد الموقع
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد
- 2024-11-21 القراءة للكسالى
- 2024-11-21 القراءة واتباع الأحسن
- 2024-11-21 روايات أسامة المسلم بين جيلين.
- 2024-11-21 ( غرق في المجاز، مَجازٌ في الغرق ): قراءة في ديوان الشاعر جابر الجميعة
- 2024-11-20 الدكتور عبدالمنعم الحسين يدشن حملة التشجير الثالثة ببر الفيصلية
تعليقات
محب وعاشق للسيد كمال الحيدري دام ظله
2020-10-31بارك الله فيك يا استاذ سلمان على هذا الجهد الذي بذلتموه في سبيل وحدة البيت الشيعي من عبث البعض ونسأل الله لهم الهداية ولنا أيضا
عمار ابو رقية
2022-12-03السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفقكم الله مجهود اكثر من رائع ، سنحاول جاهدين جمع جميع مقالاتكك وتدوينها في كتاب ، لينتفع منها المختصين والناس .